بعد ان اتخذت قرارها بالزواج من رجل دبلوماسي من الجنسية القطرية وبالرغم من معارضة أهلها كونها الفتاة الوحيدة التي انجبوها
تحدق طويلاً الى حقائبها المليئة بالملابس..تفكر في البلد الذي ستنتقل إليه مع زوجها نظراً لتوليته بمنصب سفير في الجزائر بعد الملجة بأسبوعين... ومهامها التي ستترتب عليها لمجرد كونها زوجة لهذا الرجل .
تطرق والدتها الباب وكأنها تطرق هذا الباب الذي تصدع من كثرة طرقها عليه سابقاً كلما اختلت سعلوة بنفسها لتمارس هواياتها القذرة للمرة الأخيرة ، ففتحت لها سعلوة الباب خالية من أي شقاوة ظاهرة على وجهها الصغير ودون حلطمة من والدتها بسبب رائحة الأصباغ وزيوت التلوين وملاحظاتها وغضبها بسبب البقع المتراكمة على السجادة .. هذه المرة تدخل بكل هدوء فأبنتها ستتركها ..
- هل خُليت البلد من الرجال حتى تتزوجيه هو بالذات؟؟
تقولها وامنية تخنق صوتها لربما تتراجع سعلوة... ربما ربما
-
يمه .. هذا نصيبي ولن أغير رأيي في هذا الموضوع لقد انتهى كل شي واصبحت زوجة له رسمياً- لكن.. السفر وإلى الجزائر ؟؟ انتِ تعرفين مسبقاً بأوضاع البلد المتأرجحة ورأيت بعينيك في السنوات الماضية المناضر البشعة لضحايا الإرهاب هُناك..
-
شكووووووو هههههههههه وهل ستتوقف الدنيا عند هذه الأحداث؟؟ يمه الإرهاب موجود في كل مكان وليس في هذا البلد بالتحديد.. وكذلك أنا منذ زمن كنت أود أن أعيش قصة إغتراب وربما بقليل من المعاناة ومواجهة بعض الصعوبات.. حتى أُصبح كباقي البشر لقد مللت الحياة الرتيبة في الكويت ومللت حياتي الفارغة من أي هدف .- وأهدافك لا تتحقق إلا في آخر الدُنيا؟؟ تقولها وقد إحمر وجهها من الغضب الذي يغلي في داخلها فالسعلوة عنيدة جداً فيما يتعلق بقراراتها الشخصية وخصوصا عند مناقشتها لوالدتها ...
-
يمه انتهى الموضوع انا راحله وقد أخبرتك مسبقاً ان تذهبي معنا ولكنك ترفضين..تسافر السعلوة وتغادر الكويت لتصبح زوجة السفير القطري في الجزائر وكانت أول سنة لها هُناك صعبة جداً وغريبة عليها ، مجاملات ، إستقبالات ، دعوات رسمية ، نشاطات تقوم بها السفارة مع بعض المنظمات الخيرية والثقافية والإجتماعية في الجزائر ، فبدأت تتماشى في حياة زوجها الرسمية والتي كانت فوق طاقتها للإحتمال ولكنها صبرت ولم تُبدي أي تذمر امام زوجها ، وبدأت تنسجم مع الحياة هُناك بمرور السنتين التاليتين وكونت صداقات بسيطة ومُنتقاة بعناية ...
كانت ستصبح أماً رائعه لولا جسدها الضعيف الذي لايقوى على حمل حياة صغيرة تتكون في رحمها...أجهضت مرتين..وبكت بحُرقة مرتين ودفنت امومتها مع طفليها الذين لم يُكتب لهما الخروج الى الحياة مرتين ...هي ام استشعرت حلاوة الأمومة لفترة قصيرة لتنتهي بفاجعة مزقت قلبها الرقيق .. (
أنا لن أصبح أماً يوماً ... )
بعد ستة عشر سنة ... اتخذت سعلوة لنفسها متنفساً بعيداً عن بهرجة الحياة الدبلوماسية كان عملا خاصاً بها فهُناك وفي إحدى القُرى القديمة المُتاهلكة والتي تضم أناس من الطبقة الفقيرة وفي إحدى بيوتها التي تعد كمدرسة لتدريس الأطفال ثماني فتيات يرتدين التريننج ويركضن في الساحة بشغب وصراخهن يملأ المدرسة
-
بنااااااااااااااااات.. كم مرة أخبرتكن ألا تركضن في الممرات المائية انا لا أقبل هذه التصرفات من طالباتي .. تناديهن السعلوة بحدة وعينين جادتين ولكنهن لا يسمعنها بسبب صوتهن العالي ، فتأتي مدرسة الألعاب الجيكرة وتضع وجهها قريباً من وجه سعلوة وتحدثها بلهجة مهددة :
- أخبري فتياتك أن عليهن احترام قوانين المدرسة والإنصياع لأوامر المدرسات يا أبله هانم
-
هذا ليس من شأنك ..بل شأني أنا وتبتعد عنها سعلوة لعلمها بمدى كراهية طاقم المدرسة لها وغيضهم منها
تأتي الفتيات ويصطففن في ساحة المدرسة وتقوم سعلوة بتأنيبهن على ما حصل وتأخذ منهن وعداً بعدم تكرار ماحدث.
يبدو ان سعلوة انخرطت في مجال تدريس الفقراء في القرى التي تبعد عن المدينة لتسد به حبها للتحديات والخير والخروج عن الحياة الروتينيه وملأ الفراغ الذي يتركه زوجها أحياناً بسبب ارتباطاته السياسية كسفير .. فكانت هذه القرية التي اخذت سعلوةعلى عاتقها تدريس ثمان فتيات والإهتمام بهن وتثقيفهن ليصبحن مؤهلات للمستقبل وحتى يستطعن الخروج من دائرة الفقر اللتي كن يعشن فيها ..وليكسرن كذلك العادات والتقاليد الجاهلة والغريبة على سعلوة حيث اعتبرتها بعيدة جداً عن المنطق والإسلام والدين لأن منبعها الجهل والتخلف .. فكان هذا سبب محاربتها بين طاقم المدرسة وكرههم لها لأنها تحرض بناتهن على ما يسمونه الإنحلال.
يقطع حديثها مع نفسها صوت مشاغبة بعض الطالبات من الفصل الآخر مع فتيات ابلة سعلوة وشجارهن وركضن في الساحة ولعبهن في الممر المائي (
هو عبارة عن ممر مائي محفور في التراب يستخدم لسقي المزروعات بطريقة بدائية ) فتذهب احدى طالبات ابلة سعلوة الى المديرة لإبلاغها بما يحصل وتعود الى الفتيات وتخبرهن بإلتزام الهدوء وعدم التشاجر حفاظا على وعدهن لأبلة سعلوة لكن احدى الطالبات الأخريات ترمي ببعض الكلمات البذيئة لتغيضهن :
- هيا إذهبي يا فتانة يا ربيبة الخليجية ..لقد علمتكِ على النميمة والكذب ونقل الكلام ..لماذا اخبرتِ المسؤولة بالمشاجرة يا فتانة .
- انا لست فتانة لقد قمت بما أمرتني به معلمتي تجنباً للمشاكل هيا اذهبن الي معلمتكن هيا... ونظرت الى زميلاتها في الفصل : وانتن كذلك هيا عُدن الى صفوفكن لماذا لازلتن واقفات هُنا هيا ..
كانت هذه عايشة أكثر طالبات سعلوة ترتيباً ونظافة وتهذيباً وحباً للعلم وكانت مثار حسد المدرسة بأكملها كذلك لجمالها ودلالها .
وبعد قليل توصي المديرة على سعلوة للحضور الى مكتبها :
- ابله سعلوة.. انتِ تعلمين انه غير مرحب بكِ هنا لدينا وقد تحملت المشاكل التي تتسببين بها هُنا وقد اكتفيت ، ولا تعتقدي كونك زوجة لسفير انني سوف اتغاضى عن أفعالك مع فتياتنا ومحاولتك تشجيعهن للخروج عن عادات اهلنا .
-
يا حضرة المدير ما شأن مكانة زوجي بما أفعله هُنا ؟؟ أنا أريد مصلحة هؤلاء الفتيات .. وإخراجهن من خط الفقر الذي يعشن فيه وتغيير مستقبلهن المظلم والمعروف ..لماذا تحاولين ان تحطمي حياتهن ..- اسمعي ..
-
اسمعي انتِ.. ما اقوم به لا يضر احداً كما ينفع طالباتي ورجاءً حاولي ان تقفي مع الحق ولاتكون مقيدة الفكر والتطلعات.. اخرجي قليلا عن عقلبتك التي تعيشين فيها ....تخرج من مكتب المديرة بدون حتى ان تعطيها فرصة للرد ....وهي تشعر بالغضب وتحدث نفسها قائلة وهي خارجة:
الأغبياء يريدون ان يخلقوا أجيالاً من الفتيات المقيدات عقلياً وثقافياً تحت ظل من سيصبحون أزواجهم حتى دروس الرياضة تحولت الى تعليم لبعض فنون الرقص الشرقيه ليهززن أردافهن ليلاً كراقصات..ويكررن كلمة حاضر نعم وإن شاء الله وكما تأمُر يا سيدي ... ومن تُحسن حفظ وترديد هذه الكلمات كالببغاوات تُسلم شهادتها لتُصبح جارية مع مرتبة شرف وسرير وملاءات ووعد بكومة من الأطفال القذرين المنتشرين بالشوارع بلا تعليم ..يتشبثون بقبور الأسياد ..ومنهم من يطلب معجزو ليهاجر الى فرنسا ومنهم من يريد الزواج بمحبوبته وأخرى تريد ان ترزق بالولد الفحل الذي سيحمل اسم والده..وفتاة مفعوصة لا تتجاوز الثالثة عشرة تحلم بعريس الهنا الذي سيخرجها من بين أطباق وصحون أمها البالية .. اممممممممتشعر بالظلم والقهر والخيبة والشفقة على بناتها أو طالباتها فهي بدأت تشعر انهن كبناتها فقد قامت بالإشراف على تدريسهن منذ نعومة أظفارهن وأصبحن على مشارف الشباب والجامعة ..حتى أصبحن الأكثر وضوحاً وضهوراً وضجة وإثارة للمشاكل في القرية بسبب إختلافهن في طريقة تفكيرهن وطموحهن بالذهاب الى الجامعة .
.
.
وفي مساء إحدى الأيام وعندما كانت تهم للعودة الى بيتها تأتي احدى فتياتها وهي تركض مفزوعة وغير قادرة على إلتقاط أنفاسها
- ابله ابله الحقيييييييي..
-
ماذا ؟؟ مالذي حصل ؟؟ هل انتِ بخير- انا بخير بخير... ولكن
-
لكن ماذا ؟؟ تكلمي عايشة- انها ناهد
-
ماذا ؟؟ مالذي فعلته هذه الفتاة الشقية- ناهد ناهد يبدو ان احداً قد رآها بصحبة هذا الشاب المنافق
-
ياااااااااااالله.. هذه البنت هذه البنت ... هيييييوووووووففففتقاطعها : أبله أبله ان اهلها والجيران يقومون بالبحث عنها لقتلها هيا تعالي معنا نحن نعرف أين هي
تذهب سعلوة مع عايشة وسط ممرات القرية وهن في عجلة يحاولن اللحاق بناهد وإيجادها قبل ان يجدها اهلها
-
اين هي يا عايشة- لا أدري بالتحديد ..ولكني متأكدة أنها هنا
وبين انحناءات احد الهضاب تجلس ناهد وصديقها محمود يتبادلان الحب
محمود يتكلم بكل رومانسية ويصب أجمل الأشعار في أذني ناهد الحمقاء (
نسيت الشعر اللي كان يقوله ) وناهد في عالم آخر تماماً وبعد قليل يبدآن بخلع ملابسهما فتطيح عليهم السعلوة وعايشة .
-
نااااااااهد ناااااااهد يا قليلة الأدب.. هل هذا ماعلمتك إياه طوال هذه السنواتفتعلو نظرة إندهاش ومفاجأة على وجه الحبيبين (
لووول ) ويرتبكان جداً فيحاولان تغطية ما يمكن تغطيته ( ْ_ْ )
- أبلة سعلوة أأأأ ....أأنااااا أبــــــ.....
-
اسكتي ولا كلمة لا أريد أن أسمــــ....تلتفت أبلة سعلوة وعايشة في هذه الأثناء لترا وصول بعض اهل ناهد والشيخ يونس ذو اللحية الحمراء الطويلة ومسباحه الذي كلما رأته سعلوة تتراءى لها صور مشعوذ في إحدى الأفلام المصرية ...لتشعر برغبة بالضحك بعدها .. لا أنكر انه شخص طيب ويحاول الحفاظ على ما تعلمه على أيدي المشايخ ولكن عيبه الوحيد هو الإنغلاق في حين اننا في زمن مفتح على كل شي ..وعسيراً ضد أي تغيير أو تسامح
بشأنها هي بالذات .
كان الشيخ يونس يراها كشيطان إندس فيما بينهم...لا عمل له سوى الدمار والدعوه للأفكار الكفرية ..كان قادماً والشرر يتطاير من عينيه..
-
يا إلهي يارب السمــــاء لقد وصلوا .. ستحدث كارثة بالتأكيد ...فتهرب هي ومحمود وتحاول سعلوة ان تفعل شيئا لحل هذه المشكلة وان تهدأ الوضع حتى لا يصل الى درجة القتل ولكن أبلة سعلوة لا تفلح في ذلك وتستغل بعض نساء القرية ماحصل لإخراج حقدهن على سعلوة المرأة الغريبة التي حولت بعض فتيات القرية الى متمردات في نظرهم..
ولكن ناهد خرجت عن القاعده.. أليس لكل قاعدة سليمة شواذ ..بفعلتها قد دمرت ما حاولت سعلوة إثباته لأهالي القرية في محمود الشاب الغبي الذي احبته ناهد وأخطئت معه ... فتأتي أبلة الرياضة أول إمرأة وأكثرهن حقداً على سعلوة محاولة مهاجمتها :
- غادري القرية أيتها الملعونة .. غادري ...
-
ولكن .. أأعــ ..ترمي أبلة الرياضة سعلوة بالحصى محاولة إيذائها :
- هيا غادري ماالذي تنتظرينه يا ملسونة النساء يا ملعونتهن .. غادرييي
فتبدأ نساء القرية مشاركتها بالهجوم ...
تتراجع سعلوة الى الخلف وهي ترا حُلُمها ينهار في لحظه واحده ...
وعايشة وطالباتها الست الباقيات يبكين بحُرقة على معلمتهن من بعيد
.
.
.
- تمت -